سر إصلاح أي مجتمع له أسس ثلاثة ، ذكرها الله في قرآنه وجعلها دستوراً إلى أن ينتهي الزمان وأن ينتهي المكان ويرث الله الأرض ومن عليها دستور الإصلاح لأي مجتمع على البسيطة ، ما هو يا رب؟ {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} الحشر9
هذه القيم وهذه المبادئ وتحتها آلاف المبادئ الإيمانية وآلاف القيم الإسلامية ، لكن هذه هي مجمل الآداب الإيمانية والإسلامية التي عليها صلاح الحال وصلاح الأفراد وصلاح العباد وصلاح البلاد وصلاح كل واد وناد ، فإن صلاح الكل بنشر المحبة وديننا أيها الأحبة هو دين المحبة
فليس للبغضاء طريق في الإسلام وليست للكراهية طريق بين المؤمنين وإنما أسس هذا الدين على الحب لله والحب لرسول الله رسول الله صلى الله عليه وسلم والحب لكل من آمن بالله وحتى لو كان هذا الذي آمن بالله أخطأ في حق نفسه أو أساء في حق ربه أو ارتكب محرماً ، فإني لا أكرهه في ذاته لأن هذا ينافي دين الله ولكني أكره هذا الخلق الذي اتصف به، وهذا العمل الذي قام به ، فإذا تركه فهو أخي وحبيبي في الله ورسوله
وقد قيل لأبي الدرداء رضي الله عنه إن أخاك فلان وقع في إثم عظيم فهل تبغضه؟ قال: لا، وإنما أبغض عمله فإذا تركه فهو أخي ، ثم قال لهم ناصحاً: أرأيتم لو أن أخاً لكم وقع في بئر، ماذا كنتم فاعلين؟ قالوا: نأخذ بيده. قال: كذلك أخاكم إذا وقع في ذنب تأخذوا بيديه لتنقذوه من إبليس وجنوده إلى حزب الله وإلى دين الله وإلى أنصار الله
وقد قال في ذلك رسولكم الكريم صلى الله عليه وسلم: أوثق عرى الإيمان لم يقل الصلاة ولم يقل الزكاة ولا الصيام ولا الحج مع أهميتهم البالغة عند الله ، ولكنه قال: {أَوْثَقُ عُرَى الإِيمَانِ الحُبُّ فِي اللَّهِ وَالبُغْضُ في الله}{1}
إن الحب لله وفي الله أيها المسلمون هو المرهم الذي يداوي العاصي من المؤمنين وهو الشفاء الذي يشفي به الله صدور الموحدين وهو الترياق الذي به يدخل كل مؤمن إلى رضوان رب العالمين
من الذين يدخلون جنتك يا رب؟ ومن الذين ينالون رضوانك يوم القيامة يا رب؟ استمع إليه وهو يحدد صفاتهم ويبين سماتهم فيقول {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ} الحجر47
الذي انتزع الغل والحقد والحسد والبغضاء والكراهية من قلوبهم لعباد الله المؤمنين هو يكره اليهود ويبغض الجاحدين ، ويحقد على الكافرين لكن لا يجب على مؤمن أن يتصف بهذه الصفات بالنسبة للمؤمنين وإلا كان عمله كله - حتى لو ملأ البر والبحر عبادة - حابطاً هالكاً يوم لقاء رب العالمين فالإسلام هو الحب لأن الله عندما مدح الأنصار لم يمدحهم بالصلاة ولا بالزكاة ولا حتى بالشجاعة في ميدان القتال في سبيل الله وإنما أول صفة مدحهم بها وعليها الله {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} الحشر9
الحب، ولذا أكد عليها النبي الكريم فقال: {مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرا أَوْ لِيَسْكُتْ}{2}
تلك آداب الإسلام وتلك تعاليم نبي الإسلام عليه أفضل الصلاة وأتم السلام
فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه عندما بيَّن الله فضله وبيَّن النبي منزلته ومكانته عند الله ، أخذ يتحدث أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بينهم عن سرِّ حصوله على هذه المنزلة وسرِّ علوه إلى